الفاروق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الفاروق منتدى اسلامي


    حكم مصافحة الرجل للمراة الاجنبية

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 85
    تاريخ التسجيل : 26/02/2011

     حكم مصافحة الرجل للمراة الاجنبية Empty حكم مصافحة الرجل للمراة الاجنبية

    مُساهمة  Admin الثلاثاء يوليو 26, 2011 6:00 pm

    بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

    حكم مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية



    الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على أشرف المرسلين، محمد صلّى الله عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين. أمّا بعد:

    فممّا عمت به البلوى في زماننا هذا كثرة الاختلاط بين الرجال والنساء، وما تبعه من تهاونٍ في الحجاب، وكثرةٍ في الحديث والكلام، وأحيانا المصافحة بين الرجال والنساء الأجنبيات، وذلك إما جهلاً أو تجاهلاً، وقد يوجد للشخص من النساء الأقارب، وخاصةً الكبيرات في السِّن، والتي هن أجنبيات عنه، فقد يتحرج في مصافحتهن من عدمها، وأكثر ما يظهر هذا التحرج في المناسبات العامة، كالعيد مثلاً، ممّا جعل من الأهمية بمكان بحث هذه المسألة شرعاً، وبيان أقوال العلماء فيها وبيان القول الراجح مع تحري الحق والصواب، إن شاء الله تعالى.

    وهذا البحث المتواضع، هو بعنوان: (حكم مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية).

    سائلاً من الله تعالى التوفيق والسداد الإخلاص في القول والعمل.

    ويشتمل هذا البحث على النقاط التالية:

    1. تعريف المصافحة.

    2. ما جاء في السنة النبوية بخصوص مصافحة المرأة الأجنبية.

    3. تفسير العلماء للأحاديث الواردة بخصوص مصافحة المرأة الأجنبية.

    4. مذاهب الفقهاء في حكم مصافحة المرأة الأجنبية، وأدلتهم.

    5. مناقشة أدلة الفقهاء.

    4. القول الراجح.

    فأقول مستعيناً بالله، وهو حسبي ونعم الوكيل:



    تعريف المصافحة:

    أ: تعريف المصافحة في اللغة:

    المصافحة في اللغة: الأخذ باليد، وإلصاق الكف بالكف(1).

    قال ابن منظور: «والمصافحة: الأخذ باليد، والتصافح مثله، والرجل يصافح الرجل: إذا وضع صفح كفه في صفح كفه، وصفحا كفيهما وجهاهما... وهي( أي المصافحة) مفاعلة من إلصاق صفح الكف بالكف، وإقبال الوجه على الوجه»(2). وبمثله قال المناوي(3)، والفيروزآبادي(4)، والرازي(5)، وابن الجزري(6)، والزبيدي(7).

    وقال ابن فارس: «(صفح) الصاد، والفاء، والحاء... ومن الباب: المُصافحةُ باليد، كأنَّه ألصقَ يدَه بصَفحةِ يدِ ذاك»(Cool.

    ب: تعريف المصافحة في الشرع:

    بوّب الإمام البخاري في صحيحه، فقال: باب الأخذ باليدين. ثم قال: وصافح حماد بن زيد ابن المبارك بيديه(9).

    وجاء في الفتاوى الهندية، تعريف المصافحة، بأنها وضع اليد على اليد، فقالوا: «أن يضع يديه على يديه، والسنة في المصافحة (أن تكون) بكلتا يديه»(10).

    وقد عرَّف المالكية المصافحة، فقالوا: «هي أن يجعل كفّه اليمنى في كفّه اليمنى، ويقبض كلّ أصابعه على يد صاحبه»(11). قال النفراوي المالكي: «وهي وضع أحد المتلاقين يده على باطن كفّ الآخر إلى الفراغ من السّلام »(12). وقال ابن حجر: «والمراد بها (أي المصافحة): الإفضاء بصفحة اليد إلى صفحة اليد »(13). وقال العيني: «والمصافحة مفاعلة من إلصاق صفح الكف بالكف، وإقبال الوجه على الوجه»(14).

    ما جاء في السنة النبوية بخصوص مصافحة المرأة الأجنبية.

    1. عن عائشة- رضي الله عنها-: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- "كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية بقول الله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ﴾ [الممتحنة:12]. قال عروة: قالت عائشة: فمن أقرأ بهذا الشرط من المؤمنات، قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: قد بايعتك كلاما، ولا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة، ما يبايعهن إلا بقوله: قد بايعتك على ذلك"(15).

    2. وعن أميمة بنت رقيقة- رضي الله عنها- أنها قالت: " أتيت النبي- صلى الله عليه وسلم- في نسوة من الأنصار نبايعه، فقلنا يا رسول الله: نبايعك على أن لا نشرك بالله شيئا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيك في معروف، قال: فيما استطعتن وأطقتن. قالت قلنا: الله ورسوله أرحم بنا، هلم نبايعك يا رسول الله. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: إني لا أصافح النساء، إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة، أو مثل قولي لامرأة واحدة"(16).

    4. وعن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- "كان لا يصافح النساء في البيعة"(17).

    5. وعن معقل بن يسار ـ رضي الله عنه ـ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيطٍ من حديد، خير له من أن يمسَّ امرأة لا تحل له"(18).

    6. وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "لكل بنى آدم حظٌّ من الزنا، فالعينان تزنيان وزناهما النظر، واليدان تزنيان وزناهما البطش، والرجلان يزنيان وزناهما المشي، والفم يزني وزناه القبل، والقلب يهوي ويتمنى، والفرج يصدِّق ذلك أو يكذبه"(19).

    تفسير العلماء للأحاديث الواردة بخصوص مصافحة المرأة الأجنبية.

    قال ابن العربي المالكي: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يصافح الرجال في البيعة باليد تأكيداً لشدة العقد بالقول والفعل، فسأل النساء ذلك؟ فقال لهن: "قولي لامرأة كقولي لمائة امرأة"ولم يصافحهن، لما أوعز إلينا في الشريعة من تحريم المباشرة، إلا من يحل له ذلك منهن»(20).

    وقال ابن حجر، تعليقاً على حديث عائشة في البيعة: « قد بايعتك كلاماً: أي يقول ذلك كلاماً فقط، لا مصافحة باليد، كما جرت العادة بمصافحة الرجال»(21). ثم قال: «ويستثنى من عموم الأمر بالمصافحة: المرأة الأجنبية، والأمرد الحسن»(22). قال العيني: «لأن المصافحة ليست شرطا في صحة البيعة»(23).

    فإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم- قد امتنع عن مصافحة النساء، وفعله هذا تشريع لأمته، فغيره عليه الصلاة والسلام، أولى بالامتناع عن مصافحة النساء. قال العراقي: «وإذا لم يفعل هو ذلك مع عصمته وانتفاء الريبة في حقه، فغيره أولى بذلك»(24). وقال الشنقيطي: «وكونه - صلى الله عليه وسلم- لا يصافح النساء وقت البيعة، دليل واضح على أنّ الرجل لا يصافح المرأة، ولا يمسّ شيء من بدنه شيئاً من بدنها؛ لأنّ أخف أنواع اللمس المصافحة، فإذا امتنع منها - صلى الله عليه وسلم- في الوقت الذي يقتضيها وهو وقت المبايعة، دلّ ذلك على أنّها لا تجوز، وليس لأحد مخالفته - صلى الله عليه وسلم- لأنّه هو المشرع لأمته بأقواله، وأفعاله، وتقريره»(25).

    وتعليقاً على حديث:" إني لا أصافح النساء". قال ابن عبد البر: « دليلٌ على أنه لا يجوز لرجلٍ أن يباشر امرأة لا تحل له ولا يمسها بيده ولا يصافحها» (26).

    وقال النووي في شرحه لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه- : " لكل بنى آدم حظٌّ من الزنا..." ما نصه: «معنى الحديث: أن بن آدم قدِّر عليه نصيب من الزنا، فمنهم من يكون زناه حقيقياً بإدخال الفرج في الفرج الحرام، ومنهم من يكون زناه مجازاً بالنظر الحرام أو الاستماع إلى الزنا وما يتعلق بتحصيله، أو بالمس باليد بأن يمس أجنبيةً بيده أو يقبِّلُها»(27).

    مذاهب الفقهاء في حكم مصافحة المرأة الأجنبية، وأدلتهم:

    · مذهب الحنفية:

    ذهبت الحنفية، إلى الفرق في جواز مس كف الأجنبية من عدمه، بين أن يكون المتصافحين شابين، أو كبيرين، أو أحدهما شابا والآخر كبيراً(28)، على التفصيل التالي:

    1. إن كان الرجل والمرأة شابين، فلا تجوز المصافحة بينهما.

    2. إن كان الرجل والمرأة كبيرين في السن، وكان يأمنان على أنفسهما، فلا بأس في المصافحة بينهما.

    3. إن كان أحدهما كبيراً، والآخر شاباً، مع أمن الفتنة بينهما، فلا بأس بالمصافحة بينهما، في رواية للحنفية. وإليك بيان ما يدل على هذا التفصيل من كتب الحنفية:

    حكم المصافحة عند الحنفية فيما إذا كان الرجل والمرأة شابين:

    قالت الحنفية: لا يحل للشَّاب لمس كف المرأة الأجنبية الشابَّة، حتى لو كان المس حاصلاً بدون شهوة، ومع أمن الفتنة، وإن كان حلالاً له النظر إلى الكف؛ لأن حل النظر إنما رخص بقوله تعالى: ﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ [النور:31]. ولأنها تحتاج إلى البيع والشراء ة والأخذ والعطاء، ولا يمكنها ذلك إلا بكشف وجهها وكفيها، ولا دلالة في الآية الكريمة على حل اللمس كما لا حاجة إليه ولا ضرورة في معاملات البيع والشراء. قال الكاساني: «ولأنها تحتاج إلى البيع والشراء والأخذ والعطاء، ولا يمكنها ذلك عادةً إلا بكشف الوجه والكفين، فيحِلُّ لها الكشف»(29). وقال أيضاً: «لأنّ حلّ النظر للضّرورة التي ذكرناها ولا ضرورة إلى المسّ مع ما إن المسّ في بعث الشّهوة وتحريكها فوق النّظر وإباحة أدنى الفعلين لا يدلّ على إباحة أعلاهما هذا إذا كان شابّين»(30). وبمثل قول الكاساني، قال ابن نجيم الحنفي، في كتابه البحر الرائق(31).

    وقد بيَّن ابن نجيم، عدم جواز مس كف الأجنبية للشاب، فقال: «يكره له [أي للشاب] أن يمسّ الوجه والكفّ من الأجنبيّة»(32). وقال أيضاً: «يجوز أن يمسّ ما حلّ له النّظر إليه من محارمه ومن الرّجل، لا من الأجنبيّة»(33). وقال الرازي الحنفي:«ولا يحل للشاب مس الوجه والكفين، وإن أمن الشهوة(34). وقال السَّمرقندي الحنفي: «وأما المس فيحرم سواءً عن شهوة أو عن غير شهوة، وهذا إذا كانت شابة»(35).

    حكم المصافحة عند الحنفية فيما إذا كان الرجل والمرأة كبيرين في السن:

    قالت الحنفية: إذا كان الرجل والمرأة كبيرين في السن، وكانا يأمنان على أنفسهما، فتحلّ لهما المصافحة، وذلك لخروج المصافحة في حقهما من أن تكون باعثة للشهوة، وذلك لانعدام الشهوة منهما. قال ابن نجيم الحنفي: « فإذا كان شيخًا يأمن على نفسه وعليها، يحلّ له المصافحة، وإن كان لا يأمن عليها ولا على نفسه لا تحلّ له مصافحتها، لما فيه من التّعريض للفتنة. فحاصله أنّه يشترط لجواز المسّ أن كانا كبيرين مأمونين في روايةٍ(36). وقال الكاساني: « فإن كانا شيخين كبيرين، فلا بأس بالمصافحة، لخروج المصافحة منهما من أن تكون مورثة للشهوة، لانعدام الشهوة »(37).

    فالشرط في جواز المصافحة بين الرجل والمرأة الأجنبية، أن يكونا جميعاً مأمونين من الفتنة، حتى لا يتأثر الآخر، وقد ورد تعليل الحنفية لذلك، فقالوا: «إنّ الشّابّ إذا كان لا يشتهي بمسّ العجوز فالعجوز تشتهي الشّابّ؛ لأنّها علمت بملاذّ الجماع»(38).

    حكم المصافحة عند الحنفية فيما إذا كان أحدهما كبيراً، والآخر شابّاً:

    قالت الحنفية في رواية: إذا كانت المرأة الأجنبية عجوزًا لا تشتهي، ولم يكن الرجل مثلها في السن، أو كان الرجل شيخاً كبيراً، ولم تكن المرأة عجوزا، مع أمن الفتنة بينهما، فلا بأس بالمصافحة بينهما. قال ابن نجيم، وفي رواية أخرى: «يكفي أن يكون أحدهما مأموناً كبيراً؛ لأنّ أحدهما إذا كان لا يشتهي لا يكون اللّمس سببًا للوقوع في الفتنة»(39).

    وقد بين الرازي، أن الأصل منع الشاب من مصافحة الأجنبية، إلا من عجوز لا تشتهي، أو من كبير يأمن الفتنة بينهما، فقال: «إلا من عجوز لا تشتهى فتحل المصافحة ونحوها، وكذا لو كان شيخا وأمن عليه وعليها، فإن خاف عليها حرم»(40). وقال السَّمرقندي الحنفي: «فإن كانت عجوزا، فلا بأس بالمصافحة إن كان غالب رأيه أنه لا يشتهي، ولا تحل المصافحة إن كانت تشتهي وإن كان الرجل لا يشتهي»(41).

    وقد استدلت الحنفية على منع المصافحة للأجنبية الشابة، بما تقدم من الأحاديث، واستدلت على جواز مصافحة العجائز، بما يلي:

    1. روي(42) أنّ رسول - صلى الله عليه وسلم- كان يصافح العجائز.

    قلت: لم أجد هذه الرواية في كتب الحديث.

    2. قد ورد عن بعض الصحابة، أنهم صافحوا العجائز، ومن ذلك : أنه قد روي(43) عن أبي بكرٍ- رضي اللّه عنه- أنّه كان يصافح العجائز(44). وكذلك روي أنه لما مرض عبد الله ابن الزبير، بمكة استأجر عجوزا لتمرضه كانت تفلي رأسه(45). فدلَّت هذه الرواية على لمس العجوز للرجل، والعكس. قال الزيلعي: «وهذه الأحاديث غريبة»(46).

    · مذهب المالكية:

    ذهبت المالكية، إلى أنه لا يجوز مصافحة المرأة الأجنبية مطلقاً، سواء كان المسّ بشهوةٍ أم بغير شهوة، وسواء كانا شابَّين، أو شيخين. قال النفراوي المالكي«وإنّما تحسن المصافحة بين رجلين أو بين امرأتين لا بين رجلٍ وامرأةٍ»(47). وقال الصاوي: «ولا تجوز مصافحة الرجل المرأة، أي الأجنبية، وإنما المستحسن المصافحة بين المرأتين، لا بين رجلٍ وامرأةٍ أجنبية»(48).

    وقد بيَّن الدسوقي أنه لا يلزم من جواز رؤية الوجه والكفين لمسهما، وأن اللمس محرَّم مطلقاً، فقال:« يجوز للمرأة أن ترى من الرجل الأجنبي ما يراه الرجل من محرمه، وهو الوجه والأطراف، وأما لمسها ذلك فلا يجوز، فيحرم على المرأة لمسها الوجه والأطراف من الرجل الأجنبي، فلا يجوز لها وضع يدها في يده ولا وضع يدها على وجهه، وكذلك لا يجوز له وضع يده في يدها ولا على وجهها»(49). وبمثله قال الصاوي في حاشيتة على الشرح الصغير (50).

    وقد استدلت المالكية على منع مصافحة الأجنبية مطلقا بما تقدم من الأحاديث.

    · مذهب الشافعية:

    ذهبت الشافعية، إلى أنه لا يجوز للرجل مس كفّ المرأة الأجنبية إلا بتحقق شرطين معاً، وهما:

    1. أمن الفتنة بين الرجل والمرأة.

    2. أن تكون المصافحة من وراء حائل.

    قال النووي، مبيِّنا أن الأصل منع المصافحة بين الرجل والمرأة الأجنبية: «وقد يحل النظر مع تحريم المس، فإنه يحل النظر إلى الأجنبية في البيع والشراء والأخذ والعطاء ونحوها، ولا يجوز مسها في شيء من ذلك»(51). وقال الشرواني: «فلا يصافح الرجل المرأة ولا عكسه»(52).

    وقد نقل جمعٌ كثيرٌ من فقهاء الشافعية، أن جواز مصافحة الأجنبية، لا يكون إلا بحائل، ومع أمن الفتنة، وممن نقل ذلك البجيرمي، في حاشيته على الخطيب(53)، وزكريا الأنصاري، في حاشية الجمل على شرح المنهج (54)، والرملي، في نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج(55)، وابن حجر الهيتمي، في تحفة المحتاج في شرح المنهاج (56). قال البجيرمي: «ويجوز للرجل دلك فخذ الرجل بشرط حائل وأمن فتنة، وأخذ منه حل مصافحة الأجنبية مع ذينك أي مع الحائل وأمن الفتنة، وأفهم تخصيصه الحل معهما بالمصافحة حرمة مس غير وجهها وكفيها من وراء حائل ولو مع أمن الفتنة وعدم الشهوة، ووجهه أنه مظنة لأحدهما كالنظر»(57).

    وقد استدلت الشافعية على منع المصافحة للأجنبية بما تقدم من الأحاديث، واستدلت على الجواز بشرط أمن الفتنة، ووجود الحائل، بأن النبي - عليه الصلاة والسلام- كان يصافح النّساء في بيعة الرّضوان من تحت الثّوب(58). وقد ورد في هذا المعنى أحاديث عن النبي- صلى الله عليه وسلم- منها:

    1. حديث معقل بن يسار: أن النبي - صلى الله عليه وسلم-: "كان يصافح النساء في بيعة الرضوان من تحت الثوب"(59). قال الطبراني: تفرد برواية هذا الحديث عتاب(60) . وقال الهيثمي: «وفيه عتاب بن حرب، وهو ضعيف»(61).

    2. حديث عطاء وقيس بن أبي حازم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم-:" كان إذا بايع لم يصافح النساء إلا على يده ثوب" (62). قال البجيرمي:« وعدّ بعضهم من خصائصه أنّه كان يصافح النّساء في بيعة الرّضوان من تحت الثّوب، وذلك لعصمته، وأمّا غيره فلا يجوز له مصافحة الأجنبيّة، لعدم أمن الفتنة»(63).

    · مذهب الحنابلة:

    للحنابلة في حكم مصافحة المرأة الأجنبية ثلاثة أقوال:

    القول الأول: التحريم مطلقاً.

    قال البهوتي: «ويحرم نظرٌ... ولمسٌ كنظرٍ ( أي في التحريم) بل أولى؛ لأنّه أبلغ منه، فيحرم اللّمس حيث يحرم النّظر، وليس كلّما أبيح نظره لمقتضًى شرعيٍّ يباح لمسه»(64).

    وذلك لأنّ الأصل المنع للنّظر واللّمس، فحيث أبيح النّظر لدليله بقي ما عداه على الأصل، وقد ذهب إلى تحريم مصافحة الأجنبية مطلقا: تقي الدين الحنبلي. قال البهوتي: «والتحريم مطلقا اختيار الشيخ تقي الدين»(65).

    القول الثاني للحنابلة: الكراهة مطلقاً.

    قال البهوتي: «وأطلق في رواية ابن منصور: تكره مصافحة النساء»(66). وقد نقل كراهة مصافحة الأجنبية جمع كثير من الحنابلة عن الإمام أحمد، وممن نقل الكراهة: أبو النجا الحجاوي، في كتابه الإقناع(67)، وابن مفلح في كتابه الفروع(68)، والمرداوي في كتابه الإنصاف(69)، والبهوتي في كتابه شرح منتهى الإرادات(70). قال الحجاوي: «وكره الإمام أحمد مصافحة النساء»(71). والذي يظهر أن المقصود بالكراهة هنا، هي كراهة تحريم، والتحريم هو القول المعتمد عند الحنابلة.

    القول الثالث للحنابلة: الفرق بين المرأة الشابة والعجوز، فتمنع مصافحة الشابة، وتجوز مصافحة العجوز.

    قال الرحيباني الحنبلي: «وحَرُم مصافحة امرأة أجنبية شابة، أي: حسناء؛ لأنها شر من النظر إليها، أما العجوز غير الحسناء، فللرجل مصافحتها، لعدم المحظور »(72). وبمثله قال البهوتي، وزاد أن هذه الرواية مذكورة في كتابي الفصول والرعاية(73).

    وقد بيَّن أبو النجا الحجاوي، أنه يجوز مصافحة العجوز، فقال: «ويجوز أخذ يد عجوز(أي في المصافحة)»(74)، وأما الشابة فلا يجوز مصافحتها، حيث قال: «ولا يجوز مصافحة المرأة الأجنبية الشابة»(75).

    · مذهب الزيدية:

    ذهبت الزيدية، إلى أنه لا يجوز مصافحة المرأة الأجنبية، إن كانت شابة، وأما العجوز، فلا بأس بمصافحتها. قال الصنعاني نقلاً عنهم: «وللرجل مصافحة العجوز التي لا تشتهى»(76).

    واستدلت الزيدية، على جواز مصافحة العجوز، بأنه قد روي(77) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صافح هنداً في البيعة. قلت: لم أجد هذا الحديث في كتب المحدثين.



    الخلاصة:

    خلاصة مذاهب الفقهاء في حكم مصافحة الأجنبية:

    1. لا يجوز مصافحة الأجنبية مطلقا، وبه قالت الحنفية في قول لهم، وهو قول المالكية، وبه قال بعض الشافعية، وهو قول للحنابلة.

    2. منع المصافحة للشابة، وجواز ذلك للعجوز، مع أمن الفتنة، وبه قالت الحنفية، وهو قول للحنابلة، وهو قول الزيدية.

    3. جواز مصافحة الأجنبية، بشرطين، وهما: أمن الفتنة، وأن تكون المصافحة من وراء حائل، وبه قالت الشافعية.

    مناقشة أدلة الفقهاء في حكم مصافحة المرأة الأجنبية.

    قد وردت أحاديث صحيحة عن النبي – صلى الله عليه وسلم- والتي مضمونها أنه لم يصافح النساء، حيث ورد التصريح بذلك في قوله: "إني لا أصافح النساء" وقد ورد في حديث عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "والله ما مست يده يد امرأةٍ قط في المبايعة".وهذه الأحاديث دالة على منع مصافحة الأجنبية مطلقاً.

    وأمَّا ما استدلت به الحنفية، من أن النبي- صلى الله عليه وسلم كان يصافح العجائز، وذِكر بعض الآثار عن الصحابة الكرام، وكذلك ما استدلت به الزيدية، من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صافح هنداً في البيعة، فهذه الروايات كلها ضعيفة، كما تقدم عن الزيلعي في كتابه نصب الراية، بأن هذه الأحاديث غريبة(78)، ولا تقوى على ردّ الأحاديث المتواترة عن النبي- صلى الله عليه وسلم- الدالة على أنه لم يصافح النساء في البيعة.

    وكذلك على فرض صحة الآثار الواردة عن الصحابة في مصافحة الأجنبيات - مع أنه قد تقدم أنها ضعيفة- فإنها أحاديث موقوفة، والأحاديث الواردة في منع مصافحة الأجنبية أحاديث مرفوعة، والمرفوع مقدَّم على الموقوف، كما هو مقرر في مواضعه في مصطلح الحديث.

    وأمَّا ما استدلت به الشافعية، من أن النبي - صلى الله عليه وسلم-: "كان يصافح النساء في بيعة الرضوان من تحت الثوب". فقد تقدم قول الطبراني، والهيثمي، بأن في هذا الحديث عتاب بن حرب، وهو ضعيف، وكذلك فقد ضعَّف هذا الحديث الألباني في السلسلة الضعيفة(79).

    قال الألباني: «وجملة القول أنّه لم يصح عنه - صلى الله عليه وسلم- أنه صافح امرأة قط، حتى ولو في المبايعة، فضلاً عن المصافحة عند الملاقاة»(80).

    وقال محمد بن علي الصابوني:« الروايات كلها تشير إلى أنّ البيعة كانت بالكلام، ولم يثبت عنه - صلى الله عليه وسلم- أنه صافح النساء في بيعة أو غيرها، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم- عند ما يمتنع عن مصافحة النساء مع أنه المعصوم فإنما هو تعليم للأمة، وإرشاد لها لسلوك طريق الاستقامة، وإذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهو الطاهر، والفاضل، والشريف الذي لا يشك إنسان في نزاهته وطهارته، وسلامة قلبه لا يصافح النساء، ويكتفي بالكلام في مبايعتهن مع أنّ أمر البيعة أمر عظيم الشأن، فكيف يباح لغيره من الرجال مصافحة النساء؟ مع أنّ الشهوة فيهم غالبة، والفتنة غير مأمونة، والشيطان يجري فيهم مجري الدم ؟!»(81).

    القول الراجح في حكم مصافحة الأجنبية.

    بعد ذكر الأحاديث الواردة بخصوص مصافحة المرأة الأجنبية، وبيان تفسير العلماء لها، وذكر أقوال الفقهاء وأدلتهم، أخلص إلى القول الراجح، وهو عدم جواز مصافحة المرأة الأجنبية مطلقاً، وذلك لأن الأحاديث جاءت مطلقة بالمنع، وليس فيها ما يدل على التقييد.

    وبناء عليه: فلا يجوز مصافحة المرأة الأجنبية: سواء كانت شابة أو عجوزا، وسواء كان المصافح شابا أو شيخا كبيراً، وسواء كانت المصافحة بحائل أو بدون حائل، وذلك لعموم الأدلة، ولسد الذرائع المفضية إلى الفتنة.

    وقد قال بهذا القول، وهو عدم جواز مصافحة المرأة الأجنبية مطلقا، الشنقيطي في أضواء البيان، حيث قال: «لا يجوز للرجل الأجنبي أن يصافح امرأة أجنبية منه، ولا يجوز له أن يمس شيءٌ من بدنه شيئاً من بدنها »(82).

    وبه أفتت اللجنة الدائمة، حتى لو كان مع حائل، فقد جاء في الفتوى: «لا يجوز أن يضع رجل يده في السلام في يد امرأة ليس لها بمحرم ولو توّقت بثوبها»(83).

    الخاتمة:

    بعد بيان حكم مصافحة المرأة الأجنبية، وهو عدم الجواز، يلزم المسلم أن يمتثل لهذا الحكم، إذ قد ورد فيه نصوص متواترة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في عدم مصافحته للنساء، وأفعاله كلها تشريع لأمته، إلا إذا ورد دليل على الخصوصية به، ولا دليل هنا، ولا فرق في عدم جواز المصافحة للأجنبية، إن كانت شابة، أو عجوزاً؛ لأن المصافحة للأجنبيات سبب من أسباب الفتنة، والمخرج من الفتن، هو بإتباع الشرع، وترك ما يعارضه، وإذا عرفت النساء عنك أنك لا تصافحهن إن كن أجنبيات عنك، فكذلك سيمتنعن عن مد أيديهن لمصافحتك.

    والله تعالى أعلم, والحمد لله رب العالمين, وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم

    كتبه الفقير إلى عفو ربه: يونس عبد الرب فاضل الطلول

    بتاريخ/ 17جماد الاول1428هـ الموافق 3/6 /2007 م.

    راجعه: علي بن عبد الرحمن دبيس, وعبد الوهاب مهيوب مرشد الشرعبي .

      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 4:42 pm